فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ الجمهور: {لما جاءهم}: أي لم يفكروا فيه، بل بأول ما جاءهم كذبوا؛ والجحدري: لما جاءهم، بكسر اللام وتخفيف الميم، وما مصدرية، واللام لام الجر، كهي في قولهم كتبته لخمس خلون أي عند مجيئهم إياه.
{فهم في أمر مريج}، قال الضحاك، وابن زيد: مختلط: مرة ساحر، ومرة شاعر، ومرة كاهن.
قال قتادة: مختلف.
وقال الحسن: ملتبس.
وقال أبو هريرة: فاسد.
ومرجت أمانات الناس: فسدت، ومرج الدين: اختلط.
قال أبو واقد:
ومرج الدين فأعددت له ** مسرف الحارك محبوك الكند

وقال ابن عباس: المريج: الأمر المنكر، وعنه أيضًا مختلط، وقال الشاعر:
فجالت والتمست لها حشاها ** فخر كأنه خوط مريج

والأصل فيه الاضطراب والقلق.
مرج الخاتم في أصبعي، إذا قلق من الهزال.
ويجوز أن يكون الأمر المريج، باعتبار انتقال أفكارهم فيما جاء به المنذر قائلًا عدم قبولهم أول إنذاره إياهم، ثم العجب منهم، ثم استعباد البعث الذي أنذر به، ثم التكذيب لما جاء به.
{أفلم ينظروا} حين كفروا بالبعث وبما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى آثار قدرة الله تعالى في العالم العلوي والسفلي، {كيف بنيناها} مرتفعة من غير عمد، {وزيناها} بالنيرين وبالنجوم، {وما لها من فروج}: أي من فتوق وسقوف، بل هي سليمة من كل خلل.
{والأرض مددناها}: بسطناها، {وألقينا فيها رواسي}، أي جبالًا ثوابت تمنعها من التكفؤ، {من كل زوج}: أي نوع، {بهيج}: أي حسن المنظر بهيج، أي يسر من نظر إليه.
وقرأ الجمهور: {تبصرة وذكرى} بالنصب، وهما منصوبان بفعل مضمر من لفظهما، أي بصر وذكر.
وقيل: مفعول من أجله.
وقرأ زيد بن علي: {تبصرة} بالرفع، وذكر معطوف عليه، أي ذلك الخلق على ذلك الوصف تبصرة، والمعنى: يتبصر بذلك ويتذكر، {كل عبد منيب}: أي راجع إلى ربه مفكر في بدائع صنعه.
{ماء مباركًا}: أي كثير المنفعة، {وحب الحصيد}: أي الحب الحصيد، فهو من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، كما يقوله البصريون، والحصيد: كل ما يحصد مما له حب، كالبر والشعير.
{باسقات}: أي طوالًا في العلو، وهو منصوب على الحال، وهي حال مقدرة، لأنها حالة الإنبات، لم تكن طوالًا.
وباسقات جمع.
{والنخل} اسم جنس، فيجوز أن يذكر، نحو قوله: {نخل منقعر} وأن يؤنث نحو قوله تعالى: {نخل خاوية} وأن يجمع باعتبار إفراده، ومنه باسقات، وقوله: {وينشىء السحاب الثقال} والجمهور: باسقات بالسين.
وروى قطبة بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قرأ: {باصقات} بالصاد، وهي لغة لبني العنبر، يبدلون من السين صادًا إذا وليتها، أو فصل بحرف أو حرفين، خاء أو عين أو قاف أو طاء.
{لها طلع}: تقدم شرحه عند {من طلعها قنوان دانية} {نضيد}: أي منضود بعضه فوق بعض، بريد كثرة الطلع وتراكمه، أي كثرة ما فيه من الثمر.
وأول ظهور الثمر في الكفرى هو أبيض ينضد كحب الرمان، فما دام ملتصقًا بعضه ببعض فهو نضيد، فإذا خرج من الكفرى تفرق فليس بنضيد.
و{رزقًا} نصب على المصدر، لأن معنى: وأنبتنا رزقنا، أو على أنه مفعول له.
وقرأ الجمهور: {ميتًا} بالتخفيف؛ وأبو جعفر، وخالد: بالتثقيل، والإشارة في ذلك إلى الإحياء، أي الخروج من الأرض أحياء بعد موتكم، مثل ذلك الحياة للبلدة الميت، وهذه كلها أمثلة وأدلة على البعث.
وذكر تعالى في السماء ثلاثة: البناء والتزين ونفي الفروج، وفي الأرض ثلاثة: المد وإلقاء الرواسي والإنبات.
قابل المد بالبناء، لأن المد وضع والبناء رفع.
وإلقاء الرواسي بالتزيين بالكواكب، لارتكاز كل واحد منهما.
والإنبات المترتب على الشق بانتفاء الفروج، فلا شق فيها.
ونبه فيما تعلق به الإنبات على ما يقطف كل سنة ويبقي أصله، وما يزرع كل سنة أو سنتين ويقطف كل سنة، وعلى ما اختلط من جنسين، فبعض الثمار فاكهة لا قوت، وأكثر الزرع قوت والثمر فاكهة وقوت.
ولما ذكر تعالى قوله: {بل كذبوا بالحق لما جاءهم}، ذكر من كذب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم، وتقدم الكلام على مفردات هذه الآية هذه الآية وقصص من ذكر فيها.
وقرأ أبو جعفر، وشيبة، وطلحة، ونافع: {الأيكة} بلام التعريف؛ والجمهور: {ليكة}.
{كل كذب الرسل}: أي كلهم، أي جميعهم كذب؛ وحمل على لفظ كل، فأفرد الضمير في كذب.
وقال الزمخشري: يجوز أن يراد به كل واحد منهم. انتهى.
والتنوين في كل تنوين عوض من المضاف إليه المحذوف.
وأجاز محمد بن الوليد، وهو من قدماء نحاة مصر، أن يحذف التنوين من كل جعله غاية، ويبنى على الضم، كما يبنى قبل وبعد، فأجاز كل منطلق بضم اللام دون تنوين، ورد ذلك عليه الأخفش الصغير، وهو علي بن سليمان.
{فحق وعيد}: أي وجب تعذيب الأمم المكذبة وإهلاكهم، وفي ذلك تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم، وتهديد لقريش ومن كذب الرسول. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{ق والقرءان المجيد} أي ذي المجدِ والشرفِ عَلى سائرِ الكتبِ أوْ لأنَّه كلامُ المجيدِ أوْ لأنَّ منْ علَم معانَيهُ وعمِلَ بما فيهِ مَجُدَ عندَ الله تعالى وعندَ الناسِ والكلامُ فيهِ كالذَّي فُصِّلَ في مطلعِ سورةِ ص وَقوله تعالى: {بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ مّنْهُمْ} أيْ لأَنْ جاءَهُم منذرٌ منْ جنسِهم لا من جنسِ المَلَكِ أوْ مِنْ جِلدتِهم، إضرابٌ عَمَّا ينبىءُ عنْهُ جوابُ القسمِ المحذوفِ كأنَّه قيلَ والقرآن المجيدِ أنزلناهُ إليكَ لتنذرَ بهِ الناسَ حسَبما وردَ في صدرِ سورةِ الأعرافِ كأنُه قيلَ بعدَ ذلكَ لم يؤمنُوا بهِ بلْ جعلُوا كلًا منَ المنذِر والمنذَرِ بهِ عُرضةً للنكيرِ والتعجيبِ معَ كونِهما أوفقَ شيءٍ لقضيةِ العقول وأَقرَبهُ إلى التلقِي بالقبولِ، وقيلَ التقديرُ والقرآن المجيدِ إنكَ لمنذرٌ ثمَّ قيلَ بعدَهُ إنَّهم شكُّوا فيهِ ثمَّ أُضربَ عنْهُ وقيلَ بلْ عجبُوا أيْ لم يكتفُوا بالشكِّ والردِّ بلْ جزمُوا بالخلافِ حتَّى جعلُوا ذلكَ منَ الأمورِ العجيبةِ وقيلَ هُوَ إضرابٌ عَمَّا يفهمُ منْ وصفِ القرآن بالمجيدِ كأنَّه قيلَ ليسَ سببُ امتناعِهم من الإيمانِ بالقرآن أنَّه لا مجدَ لهُ ولكنْ لجهلِهم {فَقال الكافرون هذا شيء عَجِيبٌ} تفسيرٌ لتعجبِهم وبيانٌ لكونِه مقارنًا لغايةِ الإنكارِ مع زيادةِ تفصيلٍ لمحلِّ التعجبِّ، وهذا إشارةٌ إلى كونِه عليهِ الصلاةُ والسلام منذِرًا بالقرآن وإضمارُهم أولًا للإشعارِ بتبعيتِهم بما أسندَ إليهمِ وإظهارِهم ثانيًا للتسجيلِ عليهمْ بالكفرِ بموجبِه أوْ عطفٌ لتعجبِهم من البعثِ على تعجبِهم من البعثةِ على أنَّ هذَا إشارةٌ إلى مبهمٍ يفسرُهُ ما بعدَهُ من الجملةِ الإنكاريةِ، ووضعُ المظهرِ موضعَ المضمرِ إما لسبقِ اتصافِهم بَما يوجبُ كفرَهُم وإمَّا للإيذانِ بأنَّ تعجُّبُهم منَ البعثِ لدلالتِه على استقصارِهم لقدرةِ الله سبحانه عنْهُ معَ معاينتِهم لقدرتِه تعالى على مَا هُو أشقُّ منْهُ في قياسِ العقلِ من مصنوعاتِه البديعةِ أشنعُ من الأولِ وأعرقُ في كونِه كفرًا.
{أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} تقريرٌ للتعجب وتأكيدٌ للإنكارِ والعاملُ في إذَا مضمرٌ غنيٌّ عنِ البيانِ لغايةِ شهرتِه معَ دلالةِ ما بعدَهُ عليهِ أيْ أحينَ نموتُ ونصيرُ ترابًا نرجعُ كما ينطقُ به النذيرُ والمنذُر بهِ معَ كمالِ التباينِ بينَنا وبينَ الحياةِ حينئذٍ وَقُرىءَ إِذَا متنَا عَلى لفظِ الخبرِ أوْ على حذفِ أداةِ الإنكارِ {ذلك} إشارةٌ إلى محلِّ النزاعِ {رَجْعُ بَعِيدٌ} أيْ عنِ الأوهامِ أو العادةِ أو الإمكانِ وقيلَ الرجعُ بمعْنَى المرجوعِ الذي هُوَ الجوابُ فناصبُ الظرفِ حينئذٍ ما ينبىءُ عنه المنذرُ من البعثِ.
{قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ} رَدٌّ لاستبعادِهم وإزاحةٌ له فإنَّ منْ عمَّ علمُهُ ولطُفَ حَتَّى انتَهى إلى حيثُ علمَ ما تنقصُ الأرضُ من أجسادِ الموتَى وتأكلُ من لحومِهم وعظامِهم كيفَ يستبعدُ رجعُهُ إيَّاهمُ أحياءً كما كانُوا. عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم «كُلُّ ابن آدمٍ يبلَى إلا عجبَ الذنبِ» وقيلَ ما تنقصُ الأرضُ منُهمْ ما يموتُ فيدفنُ في الأرضِ منهم {وَعِندَنَا كتاب حَفِيظٌ} حافظٌ لتفاصيلِ الأشياءِ كُلِّها أو محفوظٌ من التغيرِ، والمرادُ إما تمثيلُ علمِه تعالى بكلياتِ الأشياءِ وجزئياتِها بعلم مَنْ عندَه كتابٌ محيطٌ يتلقى منْهُ كُلَّ شيءٍ أو تأكيدٌ لعلمِه تعالى بها بثبوتِها في اللوحِ المحفوطِ عندَهُ {بَلْ كَذَّبُواْ بالحق} إضرابٌ وانتقال منِ بيانِ شناعتِهم السابقةِ إلى بيانِ ما هُو أشنعُ منْهُ وأفظعُ وهو تكذيبُهم للنبوةِ الثابتةِ بالمعجزاتِ الباهرةِ {لَمَّا جَاءهُمْ} مِنْ غيرِ تأملٍ وتفكرٍ، وقُرِىءَ لِمَا جاءهُم بالكسرِ على أنَّ اللامَ للتوقيتِ أيْ وقتَ مجيئهِ إياهُم وقيلَ الحقُّ القرآن أو الإخبارُ بالبعثِ {فَهُمْ في أَمْرٍ مَّرِيجٍ} أيْ مضطربٌ لاقرار لهُ، منْ مَرَجَ الخاتمُ في أصبعِه حيثُ يقولونَ تارةً إنَّه شاعرٌ وتارةً ساحرٌ وأخرَى كاهنٌ {أَفَلَمْ يَنظُرُواْ} أيْ أغفلُوا أو أَعمُوا فلمْ ينظرُوا {إِلَى السماء فَوْقَهُمْ} بحيثُ يشاهدونَها كلَّ وقتٍ {كَيْفَ بنيناها} أيْ رفعناهَا بغيرِ عمدٍ {وزيناها} بمَا فيهَا منَ الكواكبِ المرتبةِ على نظامٍ بديعٍ {وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} منْ فتوقٍ لملاستِها وسلامتِها من كُلِّ عيبٍ وخلٍ، ولعل تأخيرَ هَذا لمراعاةِ الفواصلِ {والأرض مددناها} أي بسطناهَا {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رواسي} جبالًا ثوابتَ مِنْ رسَا الشيءُ إذَا ثبتَ والتعبيرُ عنْهَا بهذَا الوصفِ للإيذانِ بأن إلقاءَها بإرساءِ الأرضِ بهَا {وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ} منْ كُلِّ صنفٍ {بَهِيجٍ} حسنٍ.
{تَبْصِرَةً وذكرى} علتانِ للأفعالِ المذكورةِ مَعْنى وإنِ انتصبتَا بالفعلِ الأخيرِ أو لفعلٍ مقدرٍ بطريقِ الاستئنافِ أيْ فعلنَا ما فعلنَا تبصيرًا وتذكيرًا {لّكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} أيْ راجعٍ إلى ربِّه منفكرٍ في بدائعِ صنائعِه.
وقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السماء مَاء مباركا} أي كثيرَ المنافعِ، شروعٌ في بيانِ كيفيةِ إنياتِ ما ذكرَ منْ كُلِّ زوجٍ بهيجٍ وهو عطفٌ على أنبتنا وما بينهمَا على الوجهِ الأخيرِ اعتراضٌ مقررٌ لما قبلَهُ ومنبهٌ على ما بعدَهُ {فَأَنبَتْنَا بِهِ} أيْ بذلكَ الماءِ {جنات} كثيرةً أيْ أشجارًا ذواتِ ثمارٍ {وَحَبَّ الحصيد} أي حبَّ الزرعِ الذي شأنُه أنْ يُحصدَ من البُرِّ والشعيرِ وأمثالِهما، وتخصيصُ إنباتِ حبِّه بالذكرِ لأنُه المقصودُ بالذاتِ {والنخل} عطفٌ على جناتٍ. وتخصيصُها بالذكرِ معَ اندراجِها في الجناتِ لبيانِ فضلِها على سائرِ الأشجارِ وتوسيطُ الحبِّ بينهما لتأكيدِ استقلالِها وامتيازِها عنِ البقيةِ معَ ما فيهِ منْ مُراعاةِ الفواصلِ {باسقات} أيْ طوالًا أو حواملَ منْ أبسقتِ الشاةُ إذَا حملتْ فيكونُ منْ بابِ أفعلَ فهو فاعلٌ وقرىءَ باصقاتٍ لأجلِ القافِ {لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} أيْ منضودٌ بعضُه فوقَ بعضٍ، والمرادُ تراكُم الطلعِ أو كثرةُ ما فيهِ منَ الثمرِ، والجملةُ حالٌ من النخلِ كباسقاتٍ بطريقِ الترادفِ أو منْ ضميرِها في باسقاتٍ عَلى التداخلِ، أو: الحالُ هو الجارُّ والمجرورُ وطلعٌ مرتفعٌ بهِ عَلى الفاعليةِ وقوله تعالى: {رّزْقًا لّلْعِبَادِ} أيْ لنرزقَهُم،، علةٌ لقوله تعالى فأنبتنا وفي تعليلهِ بذلكَ بعدَ تعليلِ أنبتنَا الأولِ بالتبصرةِ والتذكيرِ تنبيهٌ على أنَّ الواجبَ على العبدِ أنْ يكونَ انتفاعُهُ بذلكَ من حيثُ التذكرُ والاستبصارُ أهمَّ وأقدمَ من تمتعِه بهِ منْ حيثُ الرزقُ، وقيلَ رزقًا مصدرٌ منْ مَعْنى أنبتنَا لأنَّ الإنباتَ رزقٌ {وَأَحْيَيْنَا بِهِ} أيْ بذلكَ الماءِ {بَلْدَةً مَّيْتًا} أرضًا جدبةً لا نماءَ فيَها أَصْلًا بأنْ جعلناهَا بحيثُ ربتْ وأنتبتْ أنواعَ النباتِ والأزهارِ فصارتْ تهتزُ بَها بعدَ ما كانتْ جامدةً هامدةً، وتذكيرُ ميتًا لأنَّ البلدةَ بمعنى البلدِ والمكانِ {كذلك الخروج} جملةٌ قدمَ فيهَا الخبرُ للقصدِ إلى القصرِ وذلكَ إشارةٌ إلى الحياةِ المستفادةِ من الأحياءِ وما فيهِ من مَعْنى البعدِ للإشعارِ ببعدِ رتبتِها أيْ مثلَ تلكَ الحياةِ البديعةِ حياتُكم بالبعثِ منَ القبورِ لا شيءَ مخالفٌ لَها، وفي التعبيرِ عنْ إخراجِ النباتِ منَ الأرضِ بالإحياءِ وعنْ حياةِ المَوْتى بالخروجِ تفخيمٌ لشأنِ الإنباتِ وتهوينٌ لأمرِ البعثِ وتحقيقٌ للمماثلةِ بينَ إخراجِ النباتِ وإحياءِ المَوْتى لتوضيحِ منهاجِ القياسِ وتقريبهِ إلى أفهامِ الناسِ وقوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} إلخ استئنافٌ واردٌ لتقريرِ حقيةِ البعثِ ببيانِ اتفاقِ كافةِ الرسلِ عليهم السلام عليَها وتعذيبِ مُنكريْها {وأصحاب الرس} قيلَ هُم ممنْ بعثَ إليهم شعيبٌ عليهِ السلام وقيلَ وقيلَ، كما مرَّ في سورةِ الفُرقانِ على التفصيلِ {وَثَمُودُ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ} أي هُوَ وقومُه ليلائمَ ما قبلَهُ وما بعدَهُ {وإخوان لُوطٍ} قيلَ كانُوا من أصهارِه عليهِ الصلاةُ والسلام.
{وأصحاب الأيكة} هم ممنْ بعثَ إليهم شعيبٌ عليهِ السلام غيرَ أهلِ مدينَ {وَقَوْمُ تُّبَّعٍ} سبق شرحُ حالِهم في سُورةِ الدُّخانِ {كُلٌّ كَذَّبَ الرسل} أي فيمَا أرسلُوا بهِ منَ الشرائعِ التي منْ جُملتها البعثُ الذي أجمعُوا عليه قاطبةً أيْ كُلُّ قومٍ منَ الأقوامِ المذكورينَ كذبوا رسولَهُم أو كذَّبَ جميعُهم جميعَ الرُّسلِ بالمَعْنى المذكورِ وإفرادُ الضميرِ باعتبارِ لفظِ الكُلِّ أوْ كُلُّ واحدٍ منهمْ كذبَ جميعَ الرسلِ لاتفاقهم عَلى الدعوةِ إلى التوحيدِ والإنذارِ بالبعثِ والحشرِ فتكذيبُ واحدٍ منهمْ تكذيبٌ للكلِّ وهَذا على تقدير رسالةِ تبَّعٍ ظاهرٌ وأما على تقديرِ عدمِها وهُو الأظهرُ فمعنى تكذيبِ قومِه الرسلَ تكذيبُهم بمنْ قبلِهم من الرسلِ المجمعينِ على التوحيدِ والبعثِ وإلى ذلكَ كانَ يدعُوهم تُبَّعٌ {فَحَقَّ وَعِيدِ} أي فوجبَ وحَلَّ عليهمْ وعيدِي وهي كلمةُ العذابِ وفيه تسليةٌ لُلُرسولِ صلى الله عليه وسلم وتهديدٌ لهمْ.
{أَفَعَيِينَا بالخلق الأول} استئنافٌ مقررٌ لصحةِ البعثِ الذي حكيتْ أحوالُ المنكرينَ لَهُ من الأممِ المهلكةِ، والعيُّ بالأمرِ العجزُ عَنْهُ يقال عيَّ بالأمرِ وعَييَ بهِ إذا لم يهتدِ لوجهِ عملِه، والهمزةُ للإنكارِ والفاءُ للعطفِ علَى مقدرٍ ينبىءُ عنْهُ العيُّ من القصدِ والمباشرةِ كأنَّه قيلَ أقصدنَا الخلقَ الأولَ فعَجزنا عنْهُ حتَّى يُتوهَم عجزُنَا عنِ الإعادةِ {بَلْ هُمْ في لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} عطفٌ على مقدرٍ يدلُّ عليهِ ما قبلَهُ كأنَّه قيلَ همْ غيرُ منكرينَ لقدرتِنا على الخلقِ الأولِ بلْ هُمْ في خلطٍ وشبهةٍ في خلقٍ مستأنفٍ لما فيهِ من مخالفةِ العادةِ وتنكيرُ خلقٍ لتفخيمِ شأنِه والإشعارِ بخروجِه عنْ حدودِ العاداتِ والإيذانِ بأنَّه حقيقٌ بأنْ يبحثَ عنْهُ ويُهتمَّ بمعرفتِه. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {ق والقرءان المجيد}.
الكلام في إعراب هذا كالكلام الذي قدّمنا في قوله: {ص والقرءان ذِى الذكر} [ص: 1] وفي قوله: {حم والكتاب المبين} [الدخان: 1، 2] واختلف في معنى {ق}، فقال الواحدي: قال المفسرون: هو اسم جبل يحيط بالدنيا من زبرجد، والسماء مقببة عليه، وهو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة.
قال الفراء: كان يجب على هذا أن يظهر الإعراب في {ق} لأنه اسم، وليس بهجاء.
قال: ولعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كقول القائل:
قلت لها قفي فقالت: قاف

أي: أنا واقفة.